Recherche

الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

الفرق بين العولمة والعالمية


إن التقابل بين العالمية والعولمة وإيجاد الفرق بينهما فيه نوع من الصعوبة وخصوصاً أن كلمة العولمة مأخوذة أصلاً من العالم ولهذا نجد بعض المفكرين يذهبون إلى أن العولمة والعالمية تعني معنى واحدا وليس بينهما فرق . ولكن الحقيقة أن هذين المصطلحين يختلفان في المعنى فهما مقابلة بين الشر والخير

العالمية : انفتاح على العالم ، واحتكاك بالثقافات العالمية مع الاحتفاظ بخصوصية الأمة وفكرها وثقافتها وقيمها ومبادئها . فالعالمية إثراء للفكر وتبادل للمعرفة مع الاعتراف المتبادل بالآخر دون فقدان الهوية الذاتية . وخاصية العالمية هي من خصائص الدين الإسلامي ، فهو دين يخاطب جميع البشر ، دين عالمي يصلح في كل زمان ومكان ، فهو لا يعرف الإقليمية أو القومية أو الجنس جاء لجميع الفئات والطبقات ، فلا تحده الحدود . ولهذا تجد الخطاب القرآني موجه للناس جميعا وليس لفئة خاصة فكم آية في القرآن تقول " يا أيها الناس" فمن ذلك قوله تعالى :" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " وقوله تعالى :"يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا " وقوله تعالى :" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة " إلى غير ذلك من الآيات التي ورد فيها لفظة الناس وقد تجاوزت المأتيين آية ؛ بل إن الأنبياء السابقين عليهم صلوات الله وسلامه تنسب أقومهم إليهم " قوم نوح " " قوم صالح " وهكذا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لم يرد الخطاب القرآني بنسبة قومه إليه صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على عالمية رسالته صلى الله عليه وسلم فهو عالمي بطبعه، " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

ومن أسباب تخلفنا عن الركب الحضاري هو إقصاء الإسلام عن عالميته ، وعدم زجه في كثير من حقول الحياة بزعم المحافظة على قداسته وطهوريته، وهذا نوع من الصد والهجران للدين ، وعدم فهم لطبيعة هذا الدين والذي من طبيعته وكينونته التفاعل مع قضايا الناس والاندماج معهم في جميع شؤون الحياة ، وإيجاد الحلول لكل قضاياهم وهذا من كمال هذا الدين وإعجازه . فهو دين تفاعلي حضاري منذ نشأته . فمنذ فجر الرسالة النبوية نزل قوله تعالى :" ألم ، غلبت الروم في أدنى الأرض ، وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين " فيذكر الخطاب القرآني الكريم المتغيرات العالمية ، لإدراك أبعاد التوازنات بين القوتين العظميين في ذلك الزمان ، وذلك " أن المسلم يحمل رسالة عالمية ، ومن يحمل رسالة عالمية عليه أن يدرك الوقائع والأوضاع العالمية كلها وخاصة طبيعة وعلاقات القوى الكبرى المؤثرة في هذه الأوضاع.[13]" 

أما العولمة : فهي انسلاخ عن قيم ومبادئ وتقاليد وعادات الأمة وإلغاء شخصيتها وكيانها وذوبانها في الآخر. فالعولمة تنفذ من خلال رغبات الأفراد والجماعات بحيث تقضي على الخصوصيات تدريجياً من غير صراع إيديولوجي . فهي " تقوم على تكريس إيديولوجيا " الفردية المستسلمة" وهو اعتقاد المرء في أن حقيقة وجوده محصورة في فرديته ، وأن كل ما عداه أجنبي عنه لا يعنيه ، فتقوم بإلغاء كل ما هو جماعي ، ليبقى الإطار " العولمي" هو وحده الموجود . فهي تقوم بتكريس النزعة الأنانية وطمس الروح الجماعية ، وتعمل على تكريس الحياد وهو التحلل من كل التزام أو ارتباط بأية قضية ، وهي بهذا تقوم بوهم غياب الصراع الحضاري أي التطبيع والاستسلام لعملية الاستتباع الحضاري. وبالتالي يحدث فقدان الشعور بالانتماء لوطن أو أمة أو دولة ، مما يفقد الهوية الثقافية من كل محتوى ، فالعولمة عالم بدون دولة ، بدون أمة ، بدون وطن إنه عالم المؤسسات والشبكات العالمية .[14]" يقول عمرو عبد الكريم :" العولمة ليست مفهوماً مجرداً ؛ بل هو يتحول كلية إلى سياسات وإجراءات عملية ملموسة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والإعلام ؛ بل وأخطر من ذلك كله هو أن العولمة أضحت عملية تطرح ـ في جوهرها ـ هيكلاً للقيم تتفاعل كثير من الاتجاهات والأوضاع على فرضه وتثبيته وقسر مختلف شعوب المعمورة على تبني تلك القيم وهيكلها ونظرتها للإنسان والكون والحياة [15]". 




نشأة العولمة

يذهب بعض الباحثين إلى أن العولمة ليست وليدة اليوم ليس لها علاقة بالماضي؛ بل هي عملية تاريخية قديمة مرت عبر الزمن بمراحل ترجع إلى بداية القرن الخامس عشر إلى زمن النهضة الأوروبية الحديثة حيث نشأت المجتمعات القومية .. فبدأت العولمة ببزوغ ظاهرة الدولة القومية عندما حلت الدولة محل الإقطاعية، مما زاد في توسيع نطاق السوق ليشمل الأمة بأسرها بعد أن كان محدوداً بحدود المقاطعة

وذهب بعض الباحثين إلى أن نشأة العولمة كان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين ، إلا أنها في السنوات الأخيرة شهدت تنامياً سريعاً . يقول إسماعيل صبري :" نشأت ظاهرة الكوكبة (العولمة) وتنامت في النصف الثاني من القرن العشرين ، وهي حالياً في أوج الحركة فلا يكاد يمر يوم واحد دون أن نسمع أو نقرأ عن اندماج شركات كبرى ، أو انتزاع شركة السيطرة على شركة ثانية ..[16]." 

إن الدعوة إلى إقامة حكومة عالمية، ونظام مالي عالمي موحد والتخلص من السيادة القومية بدأت في الخطاب السياسي الغربي منذ فترة طويلة فهذا هتلر يقول في خطابه أمام الرايخ الثالث :" سوف تستخدم الاشتراكية الدولية ثورتها لإقامة نظام عالمي جديد" وفي كتابات الطبقة المستنيرة عام 1780:" من الضروري أن نقيم إمبراطورية عالمية تحكم العالم كله

وجاء في إعلان حقوق الإنسان الثاني عام 1973 :" إننا نأسف بشدة لتقسيم الجنس البشري على أسس قومية . لقد وصلنا إلى نقطة تحول في التاريخ البشري حيث يكون أحسن اختيار هو تجاوز حدود السياسة القومية ، والتحرك نحو بناء نظام عالمي مبني على أساس إقامة حكومة فيدرالية تتخطى الحدود القومية

وقال بنيامين كريم أحد قادة حركة العصر الجديد عام 1982 :" ما هي الخطة ؟ أنها تشمل إحلال حكومة عالمية جديدة ، وديانة جديدة ." 

وكانت ورئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر قد اقترحت فكرة العولمة يرافقها في ذلك الرئيس الأمريكي السابق رولاند ريغن. ووجهة نظر تاتشر الاقتصادية ـ والتي عُرفت بالتاتشرية ـ انبثقت من الاستحواذ اليهودي للمال والعتاد … حيث أن فكرتها الاقتصادية والتي صاغها اليهودي جوزيف وهي تهدف بجعل الغني أغنى والفقير أفقر
ويذكر "بات روبرتسون[17] " إن النظام العالمي الجديد نظام ماسوني عالمي ، ويعلل على ما يقول : " بأن على وجهي الدولار مطبوع علامة الولايات المتحدة ، وهي عبارة عن النسر الأمريكي ممسكاً بغصن الزيتون رمز السلام بأحد مخالبه ، وفي المخلب الآخر يوجد 13 سهماً رمز الحرب . وعلى الوجه الآخر هرم غير كامل ، فوقه عين لها بريق المجد ، وتحت الهرم كلمات لاتينيه (Novus Order Seclorum) وهي شطرة من شعر فرجيل الشاعر الروماني القديم معناها " نظام جديد لكل العصور ". إن الذي صمم علامة الولايات المتحدة هذه هو تشارلز طومسون ، وهو عضو في النظام الماسوني وكان يعمل سكرتير للكونجرس . وهذا الهرم الناقص له معنى خاص بالنسبة للماسونيين ، وهو اليوم العلامة المميزة لأتباع حركة العصر الجديد ." وبعد تحليل ليس بطويل يصل المؤلف إلى وجود علاقة واضحة تربط بين النظام الماسوني والنظام العالمي الجديد

وقد جاء في مجلة المجتمع بحثاً عن منظمة "بلدربرج" والذي أسسها رجل الأعمال السويدي " جوزيف هـ. ريتنجر" ـ والذي سعى إلى تحقيق الوحدة الأوروبية ، وتكوين المجتمع الأطلسي ـ وهي منظمة سرية تختار أعضاءها بدقة متناهية من رجال السياسة والمال ، وتعقد اجتماعاتها في داخل ستار حديدي من السرية ، وفي حراسة المخابرات المركزية الأمريكية وبعض الدول الأوروبية ، ولا تسمح لأي عضو بالبوح بكلمة واحدة عن مناقشاتها ، ولا يحق للأعضاء الاعتراض أو تقديم أي اقتراح حول مواضيع الجلسات ، ويمول هذه المنظمة مؤسسة روكفلور اليهودية وبنك الملياردير اليهودي روتشيلد ، ومعظم الشخصيات في هذه المنظمة هم من الماسونيين الكبار ، وكثير من رؤساء الولايات المتحدة نجحوا في الانتخابات بعد عضويتهم في هذه المنظمة مثل : ريجان ، وكارتر ، وبوش ، وكلينتون ، وبعد اشتراك تاتشر في المنظمة بسنتين أصبحت رئيسة وزراء إنجلترا ، وكذلك بيلر أصبح رئيساً للوزراء بعد مضي أربع سنوات من اشتراكه في المنظمة ، وهي تسعى للسيطرة على العالم وإدارته وفق رؤيتها ، فقرارتها تؤثر على التجارة الدولية وعلى كثير من الحكومات [18]. 

فالعولمة نشأت مع العصر الحديث وتكونت بما أحدثه العلم من تطور في مجال الاتصالات وخصوصاً بعد بروز الإنترنت والتي أتاحت مجال واسع في التبادل المعرفي والمالي ، وارتباط نشأة الدولة القومية بالعولمة في العصر الحاضر فيه بعد عن مفهوم العولمة والذي يدعو أساساً إلى نهاية سيادة الدولة والقضاء على الحدود الجغرافية ، وتعميم مفهوم النظام الرأسمالي واعتماد الديموقراطية كنظام سياسي عام للدول. ولكن هناك أحداث ظهرت ساعدت على بلورة مفهوم العولمة وتكوينه بهذه الصيغة العالمية فانهيار سور برلين ، وسقوط الاشتراكية كقوة سياسية وإيديولوجية وتفرد القطب الأوحد بالسيطرة والتقدم التكنولوجي وزيادة الإنتاج ليشمل الأسواق العالمية أدت إلى تكوين هذا المفهوم

وخلاصة البحث أن مصطلح العولمة منشأه غربي، وطبيعته غربية، والقصد منه تعميم فكره وثقافته ومنتوجاته على العالم، فهي ليست نتيجة تفاعلات حضارات غربية وشرقية، قد انصهرت في بوتقة واحدة ؛ بل هي سيطرة قطب واحد على العالم ينشر فكره وثقافته مستخدمة قوة الرأسمالي الغربي لخدمة مصالحه. فهو من مورثات الصليبية فروح الاستيلاء على العالم هي أساسه ولبه ولكن بطريقة نموذجيه يرضى بها المستعمر ويهلل لها ؛ بل ويتخذ هذه الصليبية الغربية المتلفعة بلباس العولمة مطلب للتقدم . يقول "بات روبرتسون[19]":" لم يعد النظام العالمي الجديد مجرد نظرية ، لقد أصبح وكأنه إنجيل." 

0 commentaires:

إرسال تعليق