Recherche

الخميس، 28 نوفمبر 2013

تربية الشباب بين الأصالة والتجديد


تربية الشباب بين الأصالة والتجديد 


يكتسب الحديث التربوي حول الشباب أهميةً خاصة، لأنّه يستهدف بناء الشخصية، وهي في مرحلة التحول الأساسي، الذي يتميز بأنّه متعدد في عناصره المكونة لذلك التحوّل، كما أنّه ذو انعطافة حادّة على غير السياق التغيري الذي درج الشاب عليه في مرحلة ما قبل المراهقة والشباب، وحتى يختلف – عموماً – ومن حيث الحدّة عما يعتري شخصيته في المرحلة التي تلي الشباب.
فعلى المستوى العقلي مثلاً ينتقل من مؤمن بكل حقيقة إلى مستفسر عن أدلة اثباتها من مُجترٍّ ومكرّرٍ للاهتمامات العقائدية والفكرية التي تطرحها عليه الأسرة والآخرون إلى مولّدٍ ذاتي للأسئلة التلقائية التي تدور في خلده.
ومن الناحية النفسية يتحول من حالة الانفعال الذاتي (السلبي) إلى الانفعال البنّاء، من حالة الانكفاء على الذات إلى حالة المواجهة، من عدم الاهتمام بالآخرين إلى محاولة فهمهم والتعامل معهم، من غاطس في أفق حاضره إلى متطلع إلى مستقبله.
وعلى مستوى الأسرة، من الانصياع لإرادة الوالدين إلى الانضباط الذاتي، من التلقي من الوالدين إلى التفاعل معهم كأصدقاء، من الشعور الفردي اللامسؤول إلى الإحساس بالمسؤولية تجاه الأسرة، من الفطرة الاحادية المستوحاة من الأسرة في تقييم أفرادها إلى النظرة الموضوعية المنفتحة على المجتمع في التقييم.
ومن الناحية الاجتماعية يتحول – غالباً – من رفض التعامل الاجتماعي إلى قبوله، من مستوى التزمّت في العلاقة إلى مستوى التعايش، من مستوى التطرف في القبول المطلق أو الرفض المطلق للمعطيات الاجتماعية إلى الفرز – القيمي – والقبول الانتقائي، من عدم مراعاة الجانب الاجتماعي إلى احترام العرف، من الاهتمام السطحي الجذّاب إلى محاولة التعمّق ووعي الحقيقة، من اللامبالاة إلى الشعور بالمسؤولية.
إضافة إلى تحولات أُخرى، ليست أقل أهمية من هذه إن لم تضاهمها أو تفقهاً أحياناً مثل ما يعتريه من وضع غريزي جنسي ضاغط، نزعته الاستقلالية ورفضه للحالة التبعية، تطلعه إلى التخصص وتحديده لمساره المهني والعلمي، تفكيره وتخطيطه للعلاقة الزوجية.
هذه مجمل التغيرات التي يتعرض لها الشباب وبصورة غالبة وليست قطعية بكل مفرداتها.
إنّ مثل هذه الانعطافة حملت كثيراً من علماء النفس على تفسير المراهقة بانها حالة غير طبيعية، حيث "يشعر المراهق بالضياع.. إلى أن يصل إلى مرحلة النضج".
أما "فرويد" و"ستنالي هول" فهما يفسران مرحلة المراهقة: "هي مرحلة الجيشان الانفعالي، والتناقضات السلوكية، وهي عرضة بوجه خاص إلى النكوص والإرتداد إلى كثير من الأمراض النفسية".
هذه العوامل الذاتية بالتغير في شخصية الشاب تضفي الأهمية على مثل هذا الموضوع، إضافة إلى عوامل أخرى منها شرعية وأخرى عرفية تصب بالاتجاه نفسه.
فالشريعة المقدسة تتعامل مع الشاب على أنّه مكلف ومسؤول عن كل تصرف من تصرفاته، وانّه عرضة للحساب في كل عملٍ حرام، وأفردت مجموعةً كبيرةً من الأحكام الشرعية تتناول شخصية الشاب في أوجه متعددة – عبادته، تعامله مع أبويه، حقه ومسؤوليته في الزواج، طلبه للعلم، خوضه مجالات التكسب، علاقاته بالآخرين، انخراطه في الاتجاه السياسي... وبذلك دخلت الشريعة على شكل رقابة في حياة الشباب، سواء مورست هذه الرقابة من قبله ونبعت من داخله أم اتخذت بصفة موضوعية مورست عليه من خارجه.
أمّا الجانب العرفي فقد تحرك هو الآخر على صعيدين في عالم الشاب:
الصعيد الأوّل: الحس الاجتماعي لديه وما يمنحه ذلك من رصيد يتناغم مع رغبته النامية ويتفاعل مع قناعاته بالشكل الذي يجعله جزءاً من الواقع الاجتماعي الذي يحيط به ويشترك معه في المتطلبات والأهداف والمعايير.
الصعيد الثاني: وهو دخول المجتمع عنصر تقييد لحركة الشاب، يحمله على ضرورة مراعاة اللياقات الاجتماعية، خاصة وانّ الشريعة المقدسة راعت بعضها وحملت الشاب على أخذها بنظر الاعتبار "من وضع نفسه في موضع التهمة، فلا يلومن إلا نفسه" فإذا كان قبل هذه المرحلة يفكر بمردود كل عمل على أساس ما يُحدثه في داخله من الناحية النفسية أو مدى قناعته المجردة عن كل شيء، فإنّه بدا منذ الآن يفكر بالجائز والحرام من وحي الرقابة الشرعية "المسموح الشرعي" كما يفكر في حدود ما سمحت به الشريعة كذلك "بالمألوف العرفي" لأنّ الرقابة العرفية هي الأخرى أخذت تلاحق مسيرته وهو في مرحلة الشباب، لا كما كان عليه في مرحلة الطفولة وحتى الصبا.

حَريٌّ بنا الآن أن نحدد مفردات العنوان، وما هو المقصود بها؟
ما هي "التنمية" وما هي "الأصالة"؟ وما هو "التجديد"؟
1- التنمية:
لا نريد بالتنمية معنى التقادم الزمني المجرد أو الفرق الحيوي "البايولوجي" أو النمو العلمي والثقافي المجرد مهما كانت طبيعة تلك العلوم، أو الفارق الذي يحدث بنمو الشباب بين زمن وآخر جرّاء تحليّه الظاهري بصفات معينة واعتياده على ممارسات ما ومراعاته للياقات إضافية لم يكن قد تحلّى بها أو راعاها سابقاً، بحيث تكون العملية أشبه ما تكون بوضع اللبنات لاقامة جدار عال، دون أن يكون ثمة ترابط مشترك بين هذه الوحدات البنائية أو أي تفاعل فيما بينها، وإنّما نريد "بالتنمية" وهي عملية "التربية" أو عملية "التغيير" وهذه العملية "التنموية" تتطلب أن يتزود الشاب بالفكر ويحوّل ذلك الفكر إلى ممارسة وبذلك يحدث في نفسه اضطرادات بالنمو من خلال سلوكه الفردي والاجتماعي، فيكون بذلك تقادم الزمن أو تحصيله الثقافي أو بناؤه البدني والاجتماعي عوامل يمكن أن تصبّ في إثراء مسيرته التربوية. هذا هو باختصار ما نريده بمفهوم "التنمية".
ومنهم من اعتبر "التجديد" هو "المدنية" بكل ما تحمل في أشواطها المعاصرة من ارهاصات علمية واكتشافات وفنون وقدرات اقتصادية واختراعات وتطوير في طرق العيش، وبالتالي فإنّ من دواعي التجديد أن نتطلع إلى "المتفوق المدني" ونترسم خطاه ونقتفي آثاره ومثل هذه النظرة "نظرة الانبهار" تعمي الأبصار عن كل المساوئ التي منيت بها مجتمعات الغرب التي تفوقت مدنياً وعلمياً لكنها تراجعت من الناحية الأخلاقية والسلوكية. وتترافق مع هذه النظرة نظرة أخرى لكل التاريخ والتراث "نظرة دونية" تخجل من استلهام أيّة فكرة أو قيمة مهما عظمت لأنّها تفتقر إلى أفق التقدم الصناعي والعلمي والاقصادي الذي تستطيع أن تتحرك فيه.

0 commentaires:

إرسال تعليق